«الإيكونوميست»: المهاجرون يقدمون حلاً لأزمة المواليد في المجتمع البريطاني
«الإيكونوميست»: المهاجرون يقدمون حلاً لأزمة المواليد في المجتمع البريطاني
تتزايد أزمة المواليد في بريطانيا بشكل ملحوظ، ما يثير القلق بشأن مستقبل التعليم والخدمات الاجتماعية، حيث بات الانخفاض التاريخي في معدل الخصوبة، الذي سجله مكتب الإحصاءات الوطنية، يشير إلى ضرورة التفكير في حلول مبتكرة، من بينها الاستفادة من المهاجرين كجزء من الحل.
وذكرت مجلة "الإيكونوميست" في تقرير لها الأربعاء، أن المدارس الابتدائية في لندن شهدت تهديدًا كبيرًا بسبب الانخفاض الملحوظ في عدد الأطفال، وهو ما ألقى بظلاله على مستقبل التعليم في المدينة، على سبيل المثال في منطقة تولس هيل، جنوب العاصمة، سعى الآباء والسياسيون المحليون لإنقاذ مدرسة فينستانتون الابتدائية، مؤكدين أنها تمثل "نبض الحياة" في حي فقير، مشيرين إلى أن المدرسة التي كانت تستوعب 630 طالبًا، استقبلت في يناير الماضي 271 طالبًا فقط، ما يعكس واقعًا مأساويًا يتطلب حلولًا سريعة وعملية.
انخفاض معدل الخصوبة
وذكر التقرير أن مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا أعلن في 28 أكتوبر الجاري أن معدل الخصوبة في إنجلترا وويلز قد بلغ 1.44 ولادة لكل امرأة في عام 2023، وهو أدنى مستوى منذ بدء تسجيل الإحصاءات في عام 1938.
ويتجاوز هذا الانخفاض المعدل الذي سجلته اليابان في عام 1989، والذي عُرف بـ"صدمة 1.57"... في منطقة لامبث، وصل معدل الخصوبة إلى 1.09، ما يعني أن عدد الأطفال الذين يتم إنجابهم لا يكفي حتى لتعويض عدد السكان الحالي.
وبحسب المجلة يحمل هذا الواقع دلالات خطيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، حيث قد يؤدي إلى نقص في القوى العاملة في المستقبل ويؤثر بشكل مباشر على الخدمات الاجتماعية.
أسباب التراجع
وأوضح التقرير أنه عند استقصاء آراء البريطانيين حول أسباب إنجاب الأطفال أو عدم إنجابهم، لم تكشف إجاباتهم الكثير من التفاصيل، حيث أظهرت دراسة حديثة أجرتها ألينا بليخ وأليس غويزيس من كلية لندن الجامعية أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم حول 32 عامًا ويرغبون في إنجاب الأطفال، لا يحاولون حاليًا ذلك، ويعبرون عن شعورهم بعدم الاستعداد.
تسهم عدة عوامل في هذا الشعور، منها الزيادة في عدد الأشخاص الملتحقين بالجامعات والقلق المتزايد بشأن الأوضاع العالمية، مثل الحروب والتغيرات المناخية، ما يجعل الشباب يشعرون بأن الوقت ليس مناسبًا لتأسيس عائلة.
تكاليف المعيشة والخصوبة
تأثرت تكاليف السكن بشكل كبير على قرارات الإنجاب، حيث قام الديموغرافي جون إرمش بمقارنة تكاليف الإسكان بمعدلات الولادات في إنجلترا وويلز، وفي ورقة بحثية غير منشورة، قدّر أن ثلاثة أخماس الانخفاض في معدل الخصوبة بين عامي 2013 و2016 و2017 و2022 يعود إلى الارتفاع الحقيقي في أسعار المنازل.
يُظهر التحليل أن النساء الحاصلات على شهادات دراسية يعانين بشكل خاص من هذه الضغوط، حيث يعشن غالبًا في مناطق ذات تكاليف سكن مرتفعة، نتيجة لذلك يزداد عبء التكاليف على الأسر، ما يجعل قرار إنجاب الأطفال أكثر تعقيدًا.
تعافي معدلات المواليد
وأورد التقرير أنه على الرغم من هذه التحديات، أبدت بعض الآراء التفاؤل بشأن إمكانية تعافي معدلات المواليد في المستقبل، حيث علق بعض الأهالي على إمكانية ارتفاع عدد الأطفال مجددًا، بينما أشار صادق خان، عمدة لندن، إلى الفكرة نفسها، لكن لا يؤخذ هذا التفاؤل على محمل الجد، حيث يشير الوضع الحالي إلا أن هناك عدة أسباب قد تسهم في عكس هذا الاتجاه، منها زيادة متوسط عمر الأمهات، الذي ارتفع بنحو عام واحد كل عقد، ليصل في عام 2022 إلى 29 عامًا.
وتظهر بيانات معهد فيينا للديموغرافيا أن المعدلات المعدلة تأخذ في الاعتبار التغيرات في توقيت الولادات، حيث تُظهر هذه المعدلات المعدلة أن الخصوبة قد تكون أعلى بنحو 0.2 نقطة من المعدلات الفعلية.
ويشير التاريخ أيضًا إلى أن الديموغرافيا غالبًا ما تتحرك في موجات، حيث تتقدم عدد المواليد وتتناقص، على سبيل المثال، شهدت إنجلترا انخفاضًا في عدد المواليد في السبعينيات وفي أواخر التسعينيات، والذي كان جزئيًا بسبب نقص عدد النساء الشابات في تلك الفترات.
ونوه التقرير بأنه بين عامي 2002 و2012، شهدت وحدات الولادة حيوية ملحوظة؛ كانت منطقة لامبث مليئة بالمواليد، لدرجة أن المجلس أرسل منشورات إلى الأسر في عام 2011 تحذر من نفاد الأماكن في المدارس الابتدائية، والأطفال الذين وُلدوا خلال تلك الفترة الذهبية هم الآن في سن المراهقة والعشرينيات، ما يعني أن هناك زيادة في عدد الأشخاص في العشرينيات الذين يفكرون في إنجاب الأطفال.
المهاجرون جزء من الحل
تتميز بريطانيا عن المناطق الخالية من الأطفال في شرق آسيا بوجود عدد كبير من المهاجرين، ما يشير إلى إمكانية تفادي الأزمة الحالية، وتجاوز صافي الهجرة 400 ألف سنويًا منذ عام 2021، وقد أثار ذلك قلق السياسيين والجمهور، إلا أنه قد يكون فرصة لتعزيز معدلات الولادات.
في عام 2022، وُلد ثلاثة من كل عشرة أطفال في إنجلترا وويلز لأمهات من أصول أجنبية، وهذه النسبة تتزايد، وتعتبر المهاجرات من النساء الشابات جزءًا أساسيًا في هذا السياق، حيث يمكن أن يسهمن في تحسين الوضع.
واختتم التقرير مؤكدا أنه من الناحية الديمغرافية، فإن وجود المهاجرين لا يمثل فقط زيادة في عدد السكان، بل يُعتبر أيضًا وسيلة لتعزيز التنوع الثقافي والاجتماعي في البلاد.